فصل: الفصل الخامس: ذكر الأمم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)



.الفصل الخامس: ذكر الأمم:

من الصحاح: الأمة الجماعة، هو في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع، وكل جنس من الحيوان أمة، وفي الحديث: «لولا أنّ الكلاب أمة من الأممَ لأمرتُ بقتلها».

.أمة السريان والصابئين:

من كتاب أبي عيسى المغربي: قال: أمة السريان هي أقدم الأمم، وكلام آدم وبنيه بالسرياني، وملتهم هي ملة الصابئين، ويذكرون أنهم أخذوا دينهم عن شيث وإدريس، ولهم كتاب يعزونه إلى شيث، ويسمونه صحف شيث، يذكر فيه محاسن الأخلاق، مثل الصدق والشجاعة والتعصب للغريب وما أشبه ذلك، ويأمر به، ويذكر الرذائل ويأمر باجتنابها، وللصابئين عبادات، منها سبع صلوات، منهن خمس توافق صلوات المسلمين، والسادسة صلاة الضحى، والسابعة صلاة يكون وقتها في تمام الساعة السادسة من الليل، وصلاتهم كصلاة المسلمين من النية، وأن لا يخلطها المصلي بشيء من غيرها، ولهم الصلاة على الميت بلا ركوع ولا سجود، ويصومون ثلاثين يوماً وإن نقص الشهر الهلالي صاموا تسعاً وعشرين يوماً، وكانوا يراعون في صومهم الفطر والهلال، بحيث يكون الفطر وقد دخلت الشمس الحمل، ويصومون من ربع الليل الأخير إلى غروب قرص الشمس، ولهم أعياد عند نزول الكواكب الخمسة المتحيرة بيوت أشرافها، والشمسة المتحيرة: زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد. ويعظمون بيت مكة، ولهم بظاهر حران مكان يحجونه، ويعظمون أهرام مصر، ويزعمون أن أحدها قبر شيث بن آدم، والآخر قبر إدريس، وهو حنوخ، والآخر قبر صابي بن إدريس الذي ينتسبون إليه، ويعظمون يوم دخول الشمس برج الحمل، فيتهادون فيه ويلبسون أفخر ملابسهم، وهو عندهم من أعظم الأعياد لدخول الشمس برج شرفها.
قال ابن حزم: والدين الذي انتحله الصابئون أقدم الأديان على وجه الدهر، والغالب على الدنيا، إلى أن أحدثوا فيه الحوادث، فبعث الله تعالى إليهم إبراهيم خليله عليه السلام، بالدين الذي نحن عليه الآن. قال الشهرستاني: والصابئون يقاتلون الحنيفية، ومدار مذهبهم التعصب للروحانيين، كما أن مدار مذهب الحنفات التعصب للبشر والجسمانيين.

.أمة القبط:

وهم من ولد حام بن نوحوكان سكناهم بديار مصر، وكانوا أهل ملك عظيم، وعز قديم، واختلط بالقبط طوائف كثيرة، من اليونان والعماليق والروم وغيرهم، وإنما صاروا أخلاطاً لكثرة من تداول عليهم وَمَلَكَ مصر، فإن أكثر من تملك مصر الغرباء، وكان القبط في سالف الدهر صابئة يعبدون الهياكل والأصنام، وكان منهم علماء بضروب من علم الفلسفة، وخاصة بعلم الطلسمات والنيرنجات والمرائي المحرقة والكيمياء.
وكانت دار ملكهم مدينة منف وهي على جانب النيل من غربيه، وكانت ملوكهم تلقب الفراعنة، وقد تقدم ذكرهم.

.أمّة الفرس:

ومساكنهم وسط المعمور، ويقال لها أرض فارس. ومنها: كرمان والأهواز وأقاليم يطول ذكرها، وجميع ما دون جيحون من تملك الجهات يقال له إيران، وهي أرض الفرس، وأما ما وراء جيحون فيقال له توران، وهو أرض الترك، وقد اختلف في نسب الفرس، فقيل أنهم من ولد فارس بن إرم بن سام، وقيل: إنهم من ولد يافث، والفرس يقولون: إنهم من ولد كيومرت، وكيومرت عندهم هو الذي ابتدأ منه النسل مثل آدم عندنا، ويذكرون أن الملك لم يزل فيهم من كيومرت، وهو آدم إلى غلبة الإسلام، خلا تقطع حصل في مدد يسيرة لا يعتد به، مثل تغلب الضحاك وفراسياب التركي.
وملوك الفرس عند الأمم أعظم ملوك العالم، وكان لهم العقول الوافرة والأحلام الراجحة، وكان لهم منٍ ترتيب المملكة ما لم يلحقهم فيه أحد من الملوك، وكانوا يولون ساقط البيت شيئاً من أمور الخاصة.
والفرس فرق كثيرة، فمنهم الديلم، وهم سكان الجبال، ومنهم الجيل وهم يسكنون الوطاة التي لجبال الديلم، وأرضهم هي ساحل بحر طبرستان. ومنهم الكرد، ومنازلهم جبال شهرزور، وقيل: إن الكرد من العرب، ثم تنبطوا. وقيل: إنهم أعراب العجم.
وكان للفرس ملة قديمة، وكان يقال للدائنين بها الكيومرتية أثبتوا إلهاً قديماً وسموه يزدان، وإلهاً مخلوقاً من الظلمة محدثاً، وسموه أهرمن.
ويزدان عندهم هو الله تعالى، وأهرمن هو إبليس، وكان أصل دينهم مبنياً على تعظيم النور، وهو يزدان، والتحرز من الظلمة وهو أهرمن، ولما عظموا النور عبدوا النيران، وكان الفرس على ذلك حتى ظهر زرادشت.
وكان على أيام بشتاسف فقبل دينه ودخل فيه، ثم صارت الفرس على دينه، وذكر لهم زرادشت كتاباً زعم أن الله تعالى أنزله عليه، وزرادشت من أهل قرية من قرى أذربيجان، ولهم في خلق زرادشت وولادته كلام طويل لا فائدة فيه، فأضربنا عنه، وقال زرادشت بإله يسمى أرمزد بالفارسي وأنه خالق النور والظلمة ومبدعهما، وهو واحد لا شريك له، وأن الخير والشر والصلاح والفساد إنما حصل من امتزاج النور بالظلمة، ولو لم يمتزجا لما كان وجود للعالم، ولا يزال المزاج حتى يغلب النور الظلمة، ثم يتخلص الخير إلى عالمه والشر إلى عالمه، وقُبْلَة زرادشت إلى المشرق، حيث مطلع الأنوار.
وللفرس أعياد ورسوم فمنها النوروز، وهو اليوم الأول من فروردينماه، واسمه يوم جديد، لكونه غرة الحول الجديد، وبعده أيام خمسة كلها أعياد، ومن أعيادهم التيركان، وهو ثالث عشر تيرماه، ولما وافق اسم اليوم الثالث عشر اسم شهره صار ذلك اليوم عيداً، وهكذا كل يوم يوافق اسمه اسم شهره فهو عيد، ومنها المهرجان وهو سادس عشَر مهرماه، وفيه زعموا أن أفريدون ظفر بالساحر الضحاك بيوراسب، وحبسه في جبل دنياوند، ومنها الفروردجان وهو الأيام الخمسة الأخيرة من أبان ماه، يضع المجوس فيها الأطعمة والأشربة لأرواح موتاهم، على زعمهم، ومنها ركوب الكوسج وهو أنه كان يأتي في أول فصل الربيع رجل كوسج راكب حماراً، وهو قابض على غراب، وهو يتروّح بمروحة ويودع الشتاء، وله ضريبة يأخذها، ومتى وجد بعد ذلك اليوم ضرب، ومنها الذق وهو العاشر من بهسنماه، وليلته، وتوقد في ليلته النيران، ويضرب حولها. ومنها الكنبهارات وهي أقسام لأيام السنة مختلفة في أول كل قسم منها خمسة أيام هي في الكنبهارات، زعم زرادشت أن في كل يوم خلق الله تعالى نوعاً من الخليقة، من سماء وأرض وماء ونبات وحيوان وإنس، فتم خلق العالم في ستة أيام.

.أمة اليونان:

قال أبو عيسى: المنقول عن أصحاب السير من اليونان، أن اليونان نجموا من رجل اسمه اللن ولد سنة أربع وسبعين لمولد موسى النبي عليه السلام، وكان أميرس الشاعر اليوناني موجوداً، في سنة ثمان وستين وخمسمائة لوفاة موسى عليه السلام، وهو تاريخ ظهور أمة اليونان واشتهارهم، ولم يُعلموا قبل ذلك.
قال: وكانوا أهل شعر وفصاحة، ثم صارت فيهم الفلسفة في زمان بخت نصر. قال: وهذا منقول من كتاب كوولبس الذي رد فيه على لليان الذي ناقض الإنجيل، أقول وقد نقل الشهرستاني أن أبيدقليس كان في زمن داود النبي عليه السلام، وكذلك فيثاغورس كان في زمن سليمان بن داود عليه السلام، وأخذ الحكمة من معدن النبوة، وكانت وفاة سليمان بن داود لمضي خمسمائة وثلاث وسبعين سنة من وفاة موسى، وكان أبيدقليس وفيثاغورس فيلسوفين مشهورين من اليونانيين، فقول أبي عيسى إن الفلسفة إنما ظهرت من اليونان في زمن بخت نصر، غير مطابق لما نقله الشهرستاني فإن بخت نصر بعد سليمان بأكثر من أربعمائة سنة.
ومن كتاب ابن سعيد المغربي: أن بلاد اليونان كانت على الخليج القسطنطيني من شرقيه وغربيه إلى البحر المحيط، والبحر القسطنطيني هو خليج بين بحر الروم وبحر القرم، واسم بحر القرم في القديم بحر نيطش- بكسر النون وياء مثناة من تحتها ساكنة وطاء مهملة لا أعلم حركتها وشين معجمة- قال: واليونان فرقتان: فرقة يقال لهم الإغريقيون وهم اليونانيون الأول، والفرقة الثانية يقال لهم اللطينيون.
وقد اختلف في نسب اليونان، فقيل أنهم من ولد يافث، وقيل أنهم من جملة الروم من ولد صوفر بن العيص بن يعقوب بن إبراهيم الخليل عليهما السلام.
وكانت ملوك اليونان المقدم ذكرهم في الفصل الثالث، من أعظم الملوك، ودولتهم من أفخر الدول، ولم يزالوا كذلك حتى غلبت عليهم الروم، حسبما تقدم في ذكر أغسطس، فدخلت اليونان في الروم ولم يبق لهم ذكر.
قال: وكانت بلادهم في الربع الشمالي الغربي، متوسطها الخليج القسطنطيني، وجميع العلوم العقلية مأخوذة عنهم، مثل العلوم المنطقية والطبيعية والإلهية والرياضية، وكانوا يسمون العلم الرياضي جومطريا، وهو المشتمل على علم الهيئة والهندسة والحساب واللحون والإيقاع وغير فلك، وكان العالم بهذه العلوم يسمى فيلوسوفاً، وتفسيره محب الحكمة، لأن فيلو محب وسوفاً الحكمة.
فمن فلاسفتهم ثاليس الملطي، قال أبو عيسى: كان في زمن بخت نصر ومنهم أبيد قليس وفيثاغورس، اللذين تقدم أنهما كانا في زمن داود وسليمان عليهما السلام، وفيثاغورس من كبار الحكماء، ويزعم أنه سمع حفيف الفلك، وصل إلى مقام الملك. وقال: ما سمعت شيئاً ألذ من حركات الأفلاك، ولا رأيت شيئاً أبهى من صورتها.
ومنهم أبقراط الحكيم الطبيب المشهور، ونجم في سنة مائة وست تسعين لبخت نصر، فيكون أبقراط قبل الهجرة بألف ومائة وبضع وسبعين سنة.
ومنهم سقراط، قال الشهرستاني في الملل والنحل: إنه كان حكيماً فاضلاً زاهداً، واشتغل بالرياضة، وأعرض عن ملاذ الدنيا، واعتزل إلى الجبل وأقام في غار، ونهى الناس عن الشرك وعبادة الأوثان فثارت عليه العامة، والجأوا ملكهم إلى قتله فحبسه ثم سقاه سمّاً فمات.
ومنهم أفلاطون الإلهي، وكان تلميذاً لسقراط المذكور، ولما اغتيل سقراط السم، قام أفلاطون مقامه وجلس على كرسيه.
ومنهم أرسطوطاليس وكان تلميذاً لأفلاطون، وكان أرسطو المذكور في زمن الإسكندر، وبين الإسكندر والهجرة تسعمائة وأربع وثلاثون سنة، فيكون أفلاطون قبل ذلك بمدة يسيرة، وكذلك يكون سقراط قبل أفلاطون بمدة يسيرة أيضاً، فبالتقريب يكون بين سقراط والهجرة نحو ألف سنة، ويكون بين أفلاطون والهجرة أقل من ألفي سنة.
ومنهم طيماوس وهو من مشايخ أفلاطون، وأما أرسطوطاليس فهو المقدم المشهور، والحكيم المطلق. قال الشهرستاني: ولما صار عمر أرسطو المذكور سبع عشر سنة أسلمه أبوه إلى أفلاطون فمكث عنده نيفاً وعشرين سنة، ثم صار حكيماً مبرزاً يعتمد عليه.
ومن جملة تلامذة أرسطو الملك الإسكندر، الذي ملك غالب المعمور، من الغرب إلى الشرق، وأقام الإسكندر يتعلم على أرسطو خمس سنين، وبلغ فيها أحسن المبالغ، ونال من الفلسفة ما لم ينل سائر تلاميذ أرسطو، ولما لحق أباه فيلبس مرض الموت، أخذ ابنه الإسكندر من أرسطو وعهده إليه بالملك.
ومنهم يرقلس وكان بعد أرسطو وصنف كتاباً ورد فيه شبهاً في قدم العالم.
ومنهم الإسكندر الأفروديسي وكان بعد أرسطو، وهو من كبار الحكماء.
ومما نقلناه من تاريخ ابن القفطي وزير حلب، في أخبار الحكماء قال: فمنهم طيموخارس وهو حكيم رياضي يوناني، عالم بهيئة الفلك رصد الكواكب في زمانه، وقد ذكره بطلميوس في المجسطي؛ وكان وقته متقدماً لوقت بطلميوس بأربعمائة وعشرين سنة.
ومنهم فرفوريوس وكان من أهل مدينة صور على البحر الرومي بالشام، وكان بعد زمن جالينوس الذي سنذكره، وكان فرفوريوس المذكور عالماً بكلام أرسطو، وقد فسر كتبه لمّا شكا إليه الناس غموضها، وعجزهم عن فهم كلامه.
ومنهم فلوطيس وكان فاضلاً حكيماً يونانياً، وشرح كتب أرسطو ونقلت تصانيفه من الرومي إلى السرياني قال: ولا أَعلم أن شيئاً منها خرج إلى العربي.
ومنهمٍ فولس الأجانيطي ويعرف بالقوابلي نسبة إلى القوابل جمع قابلة وكان خبيراً بطب النساء، كثير المعاناة له، وكان القوابل يأتينه ويسألنه عن الأمور التي تحدث بالنساء عقيب الولادة، فينعم السؤال لهن ويجيبهن بما يفعلنه، وكان زمنه بعد زمن جالينوس، وكان مقامه بالإسكندرية.
ومنهم لسلون المتعصب، وكان حكيماً يونانياً يقرئ فلسفة أفلاطون وينتصر لها، فسمي لذلك بالمتعصب.
ومنهم مقسطراطيس وكان فيلسوفاً يونانياً شرح كتب أرسطو، وخرجت إلى العربي.
ومنهم منطر الإسكندري وكان إماماً في علم الفلك، واجتمع هو وأفطيمن بالإسكندرية، وأحكما آلات الرصد، ورصد الكواكب، وحققاها، وكان زمنهما قبل زمن بطلميوس صاحب المجسطي بنحو خمسمائة وإحدى وسبعين سنة.
ومنهم مورطس ويقال مورسطس، حكيم يوناني له رياضة وحيل، وصنف كتاباً في الآلة المسماة بالأرغن، وهي آلة تسمع على ستين ميلاً.
ومنهم مغلس الحمصي من أهل حمص، وكان من تلامذة أبقراط، وله ذكر في زمانه، وله تصانيف منها كتاب البول وغيره.
ومنهم مثرود يطوس ولم يذكر زمانه، بل قال عنه: إنه كان طبيباً وحكيماً، وهو الذي ركب المعجون المسمى مثرود يطوس، سمّى معجونه باسمه، وكان معتنياً بتجربة الأدوية، وكان يمتحن قواها في شرار الناس الذين قد وجب عليهم القتل، فمنها ما وجده موافقاً للدغة الرتيلاء ومنها ما وجده موافقاً للدغة العقرب، وكذلك غير ذلك، انتهى كلام ابن القفطي.
وأما بطلميوس وجالينوس فإن زمانهما متأخر عن زمن اليونان، وكانا في زمن الروم وأحدهما قريب من الآخر، وكان بطلميوس متقدماً على جالينوس بقليلا. قال ابن الأثير في الكامل وقد أدرك جالينوس زمن بطلميوس، وكان بطلميوس مصنف المجسطي المذكور في زمن أنطونينوس، ومات أنطونينوس في أول سنة اثنتين وستين وأربعمائة لغلبة الإسكندر، وكان بين رصد بطلميوس ورصد المأمون ستمائة وتسعون سنة، وكان رصد المأمون بعد سنة مائتين للهجرة، فيكون بين الهجرة ورصد بطلميوس أربعمائة وتسعون سنة بالتقريب، وكان جالينوس في أيام قوموذوس الملك، وكان موت قوموذوس في سنة أربع وتسعين وأربعمائة للإسكندر، فيكون بين جالينوس والهجرة أكثر من أربعمائة سنة بقليل، وذلك كله بالتقريب.
ومن حكماء اليونان إقليدس صاحب كتاب الاستقصات المسمى باسمه، قال أبو عيسى: وكان إقليدس في أيام ملوك اليونان البطالسة، فلم يكن بعد أرسطو ببعيد قال: وليس هو مخترع كتاب إقليدس، بل هو جامعه ومحرره ومحققه، ولذلك نسب إليه.
ومنهم ابرخس وكان حكيماً رياضياً، ورصد الكواكب وحققها، ونقل بطلميوس عنه في المجسطي، وكان بين رصد برخس وبين رصد بطلميوس مائتان وخمس وثمانون سنة فارسية بالتقريب.

.أمة اليهود:

قد تقدم ذكر موسى صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك تقدم ذكر بني إسرائيل، وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام. وكان لإسرائيل المذكور اثنا عشر ابناً وهم روبيل ثم شمعون ثم لاوي ثم يهوذا ثم يساخر ثم زبولون ثم يوسف ثم بنيامين ثم دان ثم نفتالي ثم كاذ ثم أشار أولاد إسرائيل المذكور. وهؤلاء الإثنا عشر، منهم كانت أسباط بني إسرائيل، وجميع بني إسرائيل هم أولاد الإثني عشر المذكورين.
وأمة اليهود أعمّ من بني إسرائيل، لأن كثيراً من أجناس العرب والروم والفرس وغيرهم صاروا يهوداً، ولم يكونوا من بني إسرائيل، وإنما بنو إسرائيل هم الأصل في هذه الملة، وغيرهم دخيل فيها. فلذلك قد يقال لكل يهودي إسرائيلي.
وقد تقدم ذكر حكام بني إسرائيل وملوكهم في الفصل الأول، وأما اسم اليهود فقد قال الشهرستاني في الملل والنحل: هاد الرجل أي رجع وتاب، وإنما لزمهم هذا الاسم لقول موسى عليه السلام: {إنا هدنا إليك} [الأعراف: 156] أي رجعنا وتضرعنا.
قال البيروتي في الآثار الباقية: ليس ذلك بشيء، وإنما سميّ هؤلاء باليهود نسبة إلى يهوذا أحد الأسباط، فإن الملك استقر في ذريته، وأبدلت الذال المعجمة دالاً مهملة، كما يوجد مثل ذلك في كلام العرب، وكتابهم التوراة، وقد اشتملت على أسفار، فذكر في السفر الأول مبتدأ الخلق، ثم ذكر الأحكام والحدود والأحوال والقصص والمواعظ والأذكار في سفر وأنزل على موسى عليه السلام الألواح أيضاً، وهي شبه مختصر ما في التوراة. انتهى.
كلام الشهرستاني من كتاب خير البشر بخير البشر قال فيه: وليس في التوراة ذكر القيامة ولا الدار الآخرة، ولا فيها ذكر بعث ولا جنة ولا نار، وكل جزاء فيها إنما هو معجل في الدنيا، فيجزون على الطاعة بالنصر على الأعداء وطول العمر وسعة الرزق ونحو ذلك. ويجزون على الكفر والمعصية بالموت ومنع القطر والحميات والجرب، وأن ينزل عليهم بدل المطر الغبار والظلمة ونحو ذلك، وليس فيها ذم الدنيا ولا الزهد فيها، ولا وظيفة صلوات معلومة بل الأمر بالبطالة والقصف واللهو.
ومما تضمنته التوراة أن يهوذا بن يعقوب في زمان نبوته، زنى بامرأة ابنه، وأعطاها عمامته وخاتمه، رهناً على جدي هو أجرة الزنا، وهو لا يعرفها، فأمسكت رهنه عندها، وأرسل إليها بالجدي فلم تأخذه وظهر حملها، وأخبر يهوذا بذلك فأمر بها أنْ تحرق، فأنفذت إليه بالرهن، فعرف يهوذا أنه هو الذي زنى بها فتركها وقال: هي أصدق.
ومما تضمنته أيضاً، أن روبيل بن يعقوب وطئ سرية أبيه، وعرف بذلك أبوه، ومما تضمنته أيضاً أن أولاد يعقوب من أمتيه كانوا يزنون مع نساء أبيهم، وجاء يوسف وعرف أباه بخبر أخوته القبيح.
ومما تضمنته: أن راحيل أخت ليّا، وكانت الأختان المذكورتان قد جمع بينهما يعقوب في عقد نكاحه، وكان ذلك حلالاً في ذلك الزمان، قال: فاشترت راحيل من أختها وضرتها ليا، مبيت بن ليا، وهو روبيل، عند راحيل ليطأها، بنوبتها من يعقوب ليبيت عند ليا، وقد تضمنت من نحو ذلك كثيراً أضربنا عنه.
رجعنا إلى كلام الشهرستاني قال: واليهود تدعَّي أنّ الشريعة لا تكون إلا واحدة، وهي ابتدأت بموسى وتمت به، وإما ما كان قبل موسى فإنما كان حدوداً عقلية وأحكاماً مصلحية، ولم يجيزوا النسخ أصلاً، فلم يجيزوا بعده شريعة أخرى. قالوا: والنسخ في الأوامر بدا ولا يجوز البدا على الله تعالى.
وافترقت اليهود فرقاً كثيرة: فالربانية منهم كالمعتزلة فينا، والقراؤون كالمجبرة والمشبهة فينا، ومن فرق اليهود العانانية نسبوا إلى رجل منهم يقال له عانان بن داود، وكان رأس جالوسَ، ورأس الجالوت هو اسم للحاكم على اليهود بعد خراب بيت المقدس الخراب الثاني، فاٍنه لما ذهب المُلك منهم بغزو بخت نصر، صار الحاكم عليهم في القدس يسمى هرذوس أو هيروذس، وكان والياً من جهة الفرس ثم صار من جهة اليونان كذلك، ثم صار من جهة أغسطس، ومن بعده من ملوك الروم كذلك، حتى غزاهم طيطوس وأبادهم وخرب بيت المقدس الخراب الثاني، على ما تقدم ذكره، وتفرقت اليهود في البلاد ولم تعد لهم بعد ذلك رياسة يعتد بها، وصار منهم بالعراق وتلك النواحي جماعة، وكانوا يرجعون إلى كبير منهم، فصار اسم ذلك الكبير الذي يرجعون إليه رأس الجالوت، فمن مذهب العانانية المذكورين، أنهم يصدقون المسيح في مواعظه وإشاراته، ويقولون أنه لم يخالف التوراة البتة، بل قررها ودعا الناس إليها، وهو من أنبياء بني إسرائيل المتعبدين بالتوراة، إلا أنهم لا يقولون بنبوته، ومنهم من يدعي أن عيسى لم يدعيّ أنه نبي مرسل ولا أنه صاحب شريعة ناسخة لشريعة موسى عليه السلام، بل هو من أَولياء الله المخلصين، وأنّ الإنجيل ليس كتَاباً منزلاً عليه، وحياً من الله تعالى، بل هو جميع أحواله جمعه أربعة من أصحابه، واليهود ظلموه أولاً، حيث كذبوه، ولم يعرفوا بعد دعواه، وقتلوه آخراً ولم يعلموا محله ومغزاه، وقد ورد في التوراة ذكر المشيحا في مواضع كثيرة وهو المسيح.
وأما السمرة فمنهم فرقة يقال لها الدستانية، وتسمى الدستانية أيضاً الفانية، ومنهم فرقة يقال لها كوشانية والدستانية يقولون: إنما الثواب والعقاب في الدنيا، وأما الكوشانية فيقرون بالآخرة وثوابها وعقابها.
ولليهود أعياد وصيام فمنها الفصح وهو اليوم الخامس عشر من نيسان اليهود، وهو عيد كبير وهو أول أيام الفطير السبعة، ولا يجوز لهم فيها أكل الخمير، لأنهم أمروا في التوراة أن يأكلوا في هذه الأيام فطيراً، وآخر هذه الأيام الحادي والعشرون من الشهر المذكور، والفصح يدور من ثاني عشر آذار إلى خامس عشر نيسان، وسبب ذلك أن بني إسرائيل لما تخلصوا من فرعون، وحصلوا في التيه اتفق ذلك ليلة الخامس عشر من نيسان اليهود والقمر تام الضوء، والزمان زمان ربيع فأمروا بحفظ هذا اليوم وفي آخر هذه الأيام غرق فرعون في بحر السويس وهو بحر القلزم.
ولهم عيد الّعنصرة وهو بعد الفطير بخمسين يوماً، ويكون في السادس من شيون، وفيه حضر مشايخ بني إسرائيل إلى طور سيناء مع موسى عليه السلام، فسمعوا كلام الله تعالى من الوعد والوعيد، فاتخذوه عيداً.
ومن أعيادهم عيد الحنكة، وسعناه التنظيف، وهو ثمانية أيام، أولها الخامس والعشرون من كسليو، يَسْرجون في الليلة الأولى سراجاً، وفي الثانية اثنين، وكذلك حتى يسرجوا في الثامنة ثمانية سرج، وذلك تذكار أصغر ثمانية أخوة، قَتَلَ بعض ملوك اليونان، فإنه كان قد تغلب عليهم ملك من اليونان ببيت المقدس، وكان يفترع البنات قبل الإهداء إلى أزواجهن، وكان له سرداب قد أخرج منه حبلين عليهما جلجلان، فإن احتاج إلى امرأة حرك الأيمن فتدخل عليه، فإذا فرغ منها حرك الأيسر فيخلى سبيلها، وكان في بني إسرائيل رجل له ثمانية بنين وبنت واحدة، فتزوجها إسرائيلي وطلبها، فقال له أبوها: إن أهديتها إليك افترعها هذا الملعون، ووبخ بنيه بذلك، فأنفوا من ذلك، ووثب الصغير منهم فلبس ثياب النساء، وخبأ خنجراً تحت قماشه، وأتى باب الملك على أنه أخته، فلما حُرّك الجرس أدُخل عليه فحين خلا به قتله وأخذ رأسه، وحرك الحبل الأيسر وخرج خلي سبيله، فلما ظهر قتل الملك، فرح بذلك بنو إسرائيل واتخذوه عيداً في ثمانية أيام تذكاراً للأخوة الثمانية.
ومن أعيادهم المظال وهي سبعة أيام، أولها خامس عشر تشرين الأول، يستظلون فيها بالخلاف والقصب وغير ذلك، وهو فريضة على المقيم دون المسافر، وأمروا بذلك تذكاراً لأظلال الله تعالى إياهم بالغمام في التيه، وآخر المظال وهو حادي عشرين تشرين، يسمى عرابا وتفسيره شجر الخلاف وغدعرابا، وهو اليوم الثاني والعشرون من تشرين يسمى التبريك وتبطل فيه الأعمال، ويزعمون أن التوراة فيه استتم نزولها، ولذلك يتبركون فيه بالتوراة، وليس في صياماتهم فرض غير صوم الكبور، هو عاشر يوم من تشرين اليهود، وابتداء الصوم من اليوم التاسع قبل غروب الشمس بنصف ساعة، إلى بعد غروبها من اليوم العاشر بنصف ساعة، تمام خمس وعشرين ساعة، وكذلك غيره من صياماتهم النوافل والسنن.